سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا} أي: صبوا، {عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي: أوسعوا علينا مما رزقكم الله من طعام الجنة.
قال عطاء عن ابن عباس: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفرج، وقالوا: يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فينظروا إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم، وأخبروهم بقراباتهم: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} يعني: الماء والطعام.
{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} وهو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة وأخواتها، والمكاء والتصدية حول البيت، وسائر الخصال الذميمة، التي كانوا يفعلونها في الجاهلية. وقيل: دينهم أي عيدهم، {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} نتركهم في النار، {كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} أي: كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، {وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ} يعني: القرآن {فَصَّلْنَاهُ} بيناه، {عَلَى عِلْمٍ} منا لما يصلحهم، {هُدًى وَرَحْمَةً} أي: جعلنا القرآن هاديا وذا رحمة، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
{هَلْ يَنْظُرُونَ} أي: هل ينتظرون، {إِلا تَأْوِيلَهُ} قال مجاهد: جزاءه. وقال السدي: عاقبته. ومعناه: هل ينتظرون إلا ما يئول إليه أمرهم، في العذاب ومصيرهم إلى النار. {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} أي: جزاؤه وما يئول إليه أمرهم، {يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} اعترفوا به حين لا ينفعهم الاعتراف، {فَهَلْ لَنَا} اليوم، {مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ} إلى الدنيا، {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أهلكوها بالعذاب، {وَضَلَّ} وبطل {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.


قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أراد به في مقدار ستة أيام لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ولا سماء، قيل: ستة أيام كأيام الآخرة وكل يوم كألف سنة. وقيل: كأيام الدنيا، قال سعيد بن جبير: كان الله عز وجل قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور وقد جاء في الحديث: «التأني من الله والعجلة من الشيطان».
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قال الكلبي ومقاتل: استقر. وقال أبو عبيدة: صعد. وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى، بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله عز وجل. وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله: {الرحمن على العرش استوى} [طه- 5]، كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليًّا، وعلاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج.
وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة: أمِرّوها كما جاءت بلا كيف.
والعرش في اللغة: هو السرير. وقيل: هو ما علا فأظل، ومنه عرش الكروم. وقيل: العرش الملك.
{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب: {يُغشّي} بالتشديد هاهنا وفي سورة الرعد، والباقون بالتخفيف، أي: يأتي الليل على النهار فيغطيه، وفيه حذف أي: ويغشي النهار الليل، ولم يذكره لدلالة الكلام عليه وذكر في آية أخرى فقال: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} [الزمر- 5]، {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي: سريعا، وذلك أنه إذا كان يعقب أحدهم الآخر ويخلفه، فكأنه يطلبه. {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} قرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر، والباقون بالنصب، وكذلك في سورة النحل عطفا على قوله: {خلق السموات والأرض}، أي: خلق هذه الأشياء مسخرات، أي: مذللات {بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر، يأمر في خلقه بما يشاء. قال سفيان بن عيينة: فرق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر.
{تَبَارَكَ اللَّهُ} أي: تعالى الله وتعظم. وقيل: ارتفع. والمبارك المرتفع. وقيل: تبارك تفاعل من البركة وهي النماء والزيادة، أي: البركة تكتسب وتنال بذكره.
وعن ابن عباس قال: جاء بكل بركة. وقال الحسن: تجيء البركة من قِبَله وقيل: تبارك: تقدس. والقدس: الطهارة. وقيل: تبارك الله أي: باسمه يتبرك في كل شيء. وقال المحققون: معنى هذه الصفة ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال. وأصل البركة الثبوت. ويقال: تبارك اللهُ ولا يقال: متبارك ولا مبارك، لأنه لم يرد به التوقيف. {رَبِّ الْعَالَمِينَ}.


{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا} تذللا واستكانة، {وَخُفْيَةً} أي سرا. قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، وإن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله سبحانه يقول: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}، وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيا} [مريم- 3]. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} قيل: المعتدين في الدعاء، وقال أبو مجلز: هم الذين يسألون منازل الأنبياء عليهم السلام.
أخبرنا عمر بن عبد العزيز الفاشاني، أنبأنا القاسم بن جعفر الهاشمي، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، ثنا أبو داود السجستاني، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، أنبأنا سعيد الجريري، عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله الجنة وتعوذ من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء».
وقيل: أراد به الاعتداء بالجهر والصياح قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح.
وروينا عن أبي موسى قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا». وقال عطية: هم الذين يدعون على المؤمنين فيما لا يحل، فيقولون: اللهم أخزهم اللهم العنهم.
{وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي.
وقال عطية: لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم. فعلى هذا معنى قوله: {بعد إصلاحها} أي: بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب.
{وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: خوفا منه ومن عذابه، وطمعا فيما عنده من مغفرته وثوابه. وقال ابن جريج: خوف العدل وطمع الفضل. {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ولم يقل قريبة، قال سعيد بن جبير: الرحمة هاهنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ كقوله: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} [النساء- 8] ولم يقل منها لأنه أراد الميراث والمال.
وقال الخليل بن أحمد: القريب والبعيد يستوي فيهما في اللغة: المذكر والمؤنث والواحد والجمع. قال أبو عمرو بن العلاء: القريب في اللغة يكون بمعنى القرب وبمعنى المسافة، تقول العرب: هذه امرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة، وقريب منك إذا كانت بمعنى المسافة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9